فصل: باب بَدْءِ الأَذَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»



.باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ:

فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَان اللَّه إِنَّ الْمُؤْمِن لَا يَنْجُس» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّ الْمُسْلِم لَا يَنْجُس» هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي طَهَارَة الْمُسْلِم حَيًّا وَمَيِّتًا فَأَمَّا الْحَيّ فَطَاهِر بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى الْجَنِين إِذَا أَلْقَتْهُ أُمّه وَعَلَيْهِ رُطُوبَة فَرْجهَا.
قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: هُوَ طَاهِر بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: وَلَا يَجِيء فيه الْخِلَاف الْمَعْرُوف فِي نَجَاسَة رُطُوبَة فَرْج الْمَرْأَة، وَلَا الْخِلَاف الْمَذْكُور فِي كُتُب أَصْحَابنَا فِي نَجَاسَة ظَاهِر بَيْض الدَّجَاج وَنَحْوه فَإِنَّ فيه وَجْهَيْنِ بِنَاء عَلَى رُطُوبَة الْفَرْج. هَذَا حُكْم الْمُسْلِم الْحَيّ، وَأَمَّا الْمَيِّت فَفيه خِلَاف لِلْعُلَمَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلَانِ: الصَّحِيح مِنْهُمَا أَنَّهُ طَاهِر، وَلِهَذَا غُسِّلَ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُسْلِم لَا يَنْجُس» وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ اِبْن عَبَّاس تَعْلِيقًا: «الْمُسْلِم لَا يَنْجُس حَيًّا وَلَا مَيِّتًا». هَذَا حُكْم الْمُسْلِم.
وَأَمَّا الْكَافِر فَحُكْمه فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة حُكْم الْمُسْلِم هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف.
وَأَمَّا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} فَالْمُرَاد نَجَاسَة الِاعْتِقَاد وَالِاسْتِقْذَار، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ أَعْضَاءَهُمْ نَجِسَة كَنَجَاسَةِ الْبَوْل وَالْغَائِط وَنَحْوهمَا. فَإِذَا ثَبَتَتْ طَهَارَة الْآدَمِيّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، فَعِرْقه وَلُعَابه وَدَمْعه طَاهِرَات سَوَاء كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاء، وَهَذَا كُلّه بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْته فِي بَاب الْحَيْض، وَكَذَلِكَ الصِّبْيَان أَبْدَانهمْ وَثِيَابهمْ وَلُعَابهمْ مَحْمُولَة عَلَى الطَّهَارَة حَتَّى تُتَيَقَّن النَّجَاسَة، فَتَجُوز الصَّلَاة فِي ثِيَابهمْ، وَالْأَكْل مَعَهُمْ مِنْ الْمَائِع إِذَا غَسَلُوا أَيْدِيهمْ فيه، وَدَلَائِل هَذَا كُلّه مِنْ السُّنَّة وَالْإِجْمَاع مَشْهُورَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب اِحْتِرَام أَهْل الْفَضْل وَأَنْ يُوَقِّرهُمْ جَلِيسهمْ وَمُصَاحِبهمْ، فَيَكُون عَلَى أَكْمَل الْهَيْئَات وَأَحْسَن الصِّفَات.
وَقَدْ اِسْتَحَبَّ الْعُلَمَاء لِطَالِبِ الْعِلْم أَنْ يُحَسِّن حَاله فِي حَال مُجَالَسَة شَيْخه، فَيَكُون مُتَطَهِّرًا مُتَنَظِّفًا بِإِزَالَةِ الشُّعُور الْمَأْمُور بِإِزَالَتِهَا وَقَصّ الْأَظْفَار وَإِزَالَة الرَّوَائِح الْكَرِيهَة وَالْمَلَابِس الْمَكْرُوهَة وَغَيْر ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إِجْلَال الْعِلْم وَالْعُلَمَاء. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا مِنْ الْآدَاب أَنَّ الْعَالِم إِذَا رَأَى مَنْ تَابَعَهُ أَمْرًا يَخَاف عَلَيْهِ فيه خِلَاف الصَّوَاب سَأَلَهُ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ صَوَابه وَبَيَّنَ لَهُ حُكْمه. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا أَلْفَاظ الْبَاب:
فَفيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِن لَا يَنْجُس» يُقَال: بِضَمِّ الْجِيم وَفَتْحهَا لُغَتَانِ وَفِي مَاضِيه لُغَتَانِ نَجِسَ وَنَجُسَ بِكَسْرِ الْجِيم وَضَمّهَا، فَمَنْ كَسَرَهَا فِي الْمَاضِي فَتَحَهَا فِي الْمُضَارِع، وَمَنْ ضَمَّهَا فِي الْمَاضِي ضَمَّهَا فِي الْمُضَارِع أَيْضًا، وَهَذَا قِيَاس مُطَّرِد مَعْرُوف عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة إِلَّا أَحْرُفًا مُسْتَثْنَاة مِنْ الْمَكْسُور. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفيه قَوْله: «فَانْسَلَّ» أَيْ ذَهَبَ فِي خُفْيَة. وَفيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَان اللَّه إِنَّ الْمُؤْمِن لَا يَنْجُس» وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِع أَنَّ سُبْحَان اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع وَشِبْهه يُرَاد بِهَا التَّعَجُّب. وَبَسَطْنَا الْكَلَام فيه فِي بَاب وُجُوب الْغُسْل عَلَى الْمَرْأَة إِذَا أَنْزَلَتْ الْمَنِيّ. وَفيه قَوْله: «فَحَادَ عَنْهُ» أَيْ مَالَ وَعَدَلَ. وَفيه أَبُو رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَاسْم أَبِي رَافِع نُفَيْع. وَفيه أَبُو وَائِل وَاسْمه شَقِيق بْن سَلَمَة.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِأَسَانِيد الْبَاب فَفيه قَوْل مُسْلِم فِي الْإِسْنَاد الثَّانِي: (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَأَبُو كُرَيْب قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ مِسْعَر عَنْ وَاصِل عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ حُذَيْفَة) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه كُوفِيُّونَ إِلَّا أَنَّ حُذَيْفَة كَانَ مُعْظَم مُقَامه بِالْمَدَائِنِ.
وَأَمَّا قَوْله فِي الْإِسْنَاد الْأَوَّل: حَدَّثَنِي زُهَيْر بْن حَرْب حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ: حُمَيْدٌ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل اِبْن عُلَيَّة عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيل عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة. فَقَدْ يَلْتَبِس عَلَى بَعْض النَّاس. قَوْله: قَالَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا وَلَيْسَ فيه مَا يُوجِب اللَّبْس عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى اِشْتِغَال بِهَذَا الْفَنّ فَإِنَّ أَكْثَر مَا فيه أَنَّهُ قَدَّمَ حُمَيْدًا عَلَى حَدَّثَنَا وَالْغَالِب أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ فَقَالَ: هُوَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا وَلَا فَرْق بَيْن تَقْدِيمه وَتَأْخِيره فِي الْمَعْنَى. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله (عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِع) فَهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيح مُسْلِم فِي جَمِيع النُّسَخ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ: هَذَا الْإِسْنَاد مُنْقَطِع إِنَّمَا يَرْوِيه حُمَيْدٌ عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِع. هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة فِي مُسْنَده، وَهَذَا كَلَام الْقَاضِي عَنْ الْمَازِرِيّ. وَكَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْر عَنْ أَبِي رَافِع كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ وَغَيْرهمْ مِنْ الْأَئِمَّة، وَلَا يَقْدَح هَذَا فِي أَصْل مَتْن الْحَدِيث، فَإِنَّ الْمَتْن ثَابِت عَلَى كُلّ حَال مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة وَمِنْ رِوَايَة حُذَيْفَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
556- سبق شرحه بالباب.
557- سبق شرحه بالباب.

.باب ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا:

558- قَوْل عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى عَلَى كُلّ أَحْيَانه) هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي جَوَاز ذِكْر اللَّه تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيل وَالتَّكْبِير وَالتَّحْمِيد وَشَبَههَا مِنْ الْأَذْكَار وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي جَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن لِلْجُنُبِ وَالْحَائِض، فَالْجُمْهُور عَلَى تَحْرِيم الْقِرَاءَة عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَا فَرْق عِنْدنَا بَيْن آيَة وَبَعْض آيَة، فَإِنَّ الْجَمِيع يَحْرُم، وَلَوْ قَالَ الْجُنُب: بِسْمِ اللَّه، أَوْ الْحَمْد لِلَّهِ، وَنَحْو ذَلِكَ إِنْ قَصَدَ بِهِ الْقُرْآن حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الذِّكْر أَوْ لَمْ يَقْصِد شَيْئًا لَمْ يَحْرُم. وَيَجُوز لِلْجُنُبِ وَالْحَائِض أَنْ يُجْرِيَا الْقُرْآن عَلَى قُلُوبهمَا، وَأَنْ يَنْظُرَا فِي الْمُصْحَف، وَيُسْتَحَبّ لَهُمَا إِذَا أَرَادَا الِاغْتِسَال أَنْ يَقُولَا: بِسْمِ اللَّه عَلَى قَصْد الذِّكْر. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَه الذِّكْر فِي حَالَة الْجُلُوس عَلَى الْبَوْل وَالْغَائِط، وَفِي حَالَة الْجِمَاع.
وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَان هَذَا قَرِيبًا فِي آخِر بَاب التَّيَمُّم، وَبَيَّنَّا الْحَالَة الَّتِي تُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي كَرَاهَته. فَعَلَى قَوْل الْجُمْهُور أَنَّهُ مَكْرُوه يَكُون الْحَدِيث مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَال، وَيَكُون مُعْظَم الْمَقْصُود أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى مُتَطَهِّرًا وَمُحْدِثًا وَجُنُبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمَاشِيًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله فِي إِسْنَاد حَدِيث الْبَاب: (حَدَّثَنَا الْبَهِيّ عَنْ عُرْوَة) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْهَاء وَتَشْدِيد الْيَاء وَهُوَ لَقَب لَهُ وَاسْمه عَبْد اللَّه بْن بَشَّار قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين وَأَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ وَغَيْرهمَا قَالَا: وَهُوَ مَعْدُود فِي الطَّبَقَة الْأُولَى مِنْ الْكُوفِيِّينَ، وَكُنْيَته أَبُو مُحَمَّد، وَهُوَ مَوْلَى مُصْعَب بْن الزُّبَيْر. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب جَوَازِ أَكْلِ الْمُحْدِثِ الطَّعَامَ وَأَنَّهُ لاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ:

اِعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاء مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْدِثِ أَنْ يَأْكُل وَيَشْرَب وَيَذْكُر اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيَقْرَأ الْقُرْآن وَيُجَامِع وَلَا كَرَاهَة فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى هَذَا كُلّه دَلَائِل السُّنَّة الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة مَعَ إِجْمَاع الْأُمَّة.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَصْحَابنَا رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى اِخْتَلَفُوا فِي وَقْت وُجُوب الْوُضُوء هَلْ هُوَ بِخُرُوجِ الْحَدَث وَيَكُون وُجُوبًا مُوَسَّعًا، أَمْ لَا يَجِب إِلَّا بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاة؟ أَمْ يَجِب بِالْخُرُوجِ وَالْقِيَام؟ فيه ثَلَاثَة أَوْجُه أَصَحّهَا عِنْدهمْ الثَّالِث. وَاَللَّه أَعْلَم.
560- قَوْله: (وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَوَضَّأُ، فَقَالَ: لِمَ أَأُصَلِّي فَأَتَوَضَّأ) أَمَّا (لِمَ) فَبِكَسْرِ اللَّام وَفَتْح الْمِيم و(أُصَلِّي) بِإِثْبَاتِ الْيَاء فِي آخِره وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار، وَمَعْنَاهُ الْوُضُوء يَكُون لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاة، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّي الْآن وَالْمُرَاد بِالْوُضُوءِ الْوُضُوء الشَّرْعِيّ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَلَى الْوُضُوء اللُّغَوِيّ، وَجَعَلَ الْمُرَاد غَسْلَ الْكَفَّيْنِ، وَحَكَى اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي كَرَاهَته غَسْل الْكَفَّيْنِ قَبْل الطَّعَام وَاسْتِحْبَابه، وَحَكَى الْكَرَاهَة عَنْ مَالِك وَالثَّوْرِيّ رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى. وَالظَّاهِر مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَاد الْوُضُوء الشَّرْعِيّ. وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم. و(أَأُصَلِّي) بِإِثْبَاتِ الْيَاء فِي آخِره وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار، وَمَعْنَاهُ الْوُضُوء يَكُون لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاة، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّي الْآن وَالْمُرَاد بِالْوُضُوءِ الْوُضُوء الشَّرْعِيّ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَلَى الْوُضُوء اللُّغَوِيّ، وَجَعَلَ الْمُرَاد غَسْل الْكَفَّيْنِ، وَحَكَى اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي كَرَاهَته غَسْل الْكَفَّيْنِ قَبْل الطَّعَام وَاسْتِحْبَابه، وَحَكَى الْكَرَاهَة عَنْ مَالِك وَالثَّوْرِيّ رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى. وَالظَّاهِر مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَاد الْوُضُوء الشَّرْعِيّ. وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.

.باب مَا يَقُولُ إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْخَلاَءِ:

563- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاء قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْخُبْث وَالْخَبَائِث» وَفِي رِوَايَة: «إِذَا دَخَلَ الْكَنِيف» وَفِي رِوَايَة: «أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبْث وَالْخَبَائِث» أَمَّا الْخَلَاء فَبِفَتْحِ الْخَاء وَالْمَدّ، وَالْكَنِيف بِفَتْحِ الْكَاف وَكَسْر النُّون، وَالْخَلَاء وَالْكَنِيف وَالْمِرْحَاض كُلّهَا مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة. وَقَوْله: إِذَا دَخَلَ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُول، وَكَذَا جَاءَ مُصَرِّحًا بِهِ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ قَالَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل.
وَأَمَّا الْخُبُث فَبِضَمِّ الْبَاء وَإِسْكَانهَا وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي رِوَايَة هَذَا الْحَدِيث، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّ أَكْثَر رِوَايَات الشُّيُوخ الْإِسْكَان، وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: الْخُبُث بِضَمِّ الْبَاء جَمَاعَة الْخَبِيث، وَالْخَبَائِث جَمْع الْخَبِيثَة قَالَ: يُرِيد ذُكْرَان الشَّيَاطِين وَإِنَاثهمْ.
قَالَ: وَعَامَّة الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ: (الْخُبْث) بِإِسْكَانِ الْبَاء وَهُوَ غَلَط، وَالصَّوَاب الضَّمّ. هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ فيه لَيْسَ بِغَلَطٍ، وَلَا يَصِحّ إِنْكَاره جَوَاز الْإِسْكَان فَإِنَّ الْإِسْكَان جَائِز عَلَى سَبِيل التَّخْفِيف كَمَا يُقَال كُتُب وَرُسُل وَعُنُق وَأُذُن وَنَظَائِره فَكُلّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ جَائِز تَسْكِينه بِلَا خِلَاف عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة وَهُوَ بَاب مَعْرُوف مِنْ أَبْوَاب التَّصْرِيف لَا يُمْكِن إِنْكَاره، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيّ أَرَادَ الْإِنْكَار عَلَى مَنْ يَقُول: أَصْله الْإِسْكَان فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَعِبَارَته مُوهِمَة، وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة بِأَنَّ الْبَاء هُنَا سَاكِنَة مِنْهُمْ الْإِمَام أَبُو عُبَيْد إِمَام هَذَا الْفَنّ وَالْعُمْدَة فيه، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ: هُوَ الشَّرّ، وَقِيلَ: الْكُفْر، وَقِيلَ: الْخُبْث الشَّيَاطِين، وَالْخَبَائِث الْمَعَاصِي.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: الْخُبْث فِي كَلَام الْعَرَب الْمَكْرُوه، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَلَام فَهُوَ الشَّتْم، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِلَل فَهُوَ الْكُفْر، وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَام فَهُوَ الْحَرَام، وَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرَاب فَهُوَ الضَّارّ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَهَذَا الْأَدَب مُجْمَع عَلَى اِسْتِحْبَابه وَلَا فَرْق فيه بَيْن الْبُنْيَان وَالصَّحْرَاء. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ:

فيه قَوْل مُسْلِم: وَحَدَّثَنَا شَيْبَان بْن فَرُّوخ حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث عَنْ عَبْد الْعَزِيز عَنْ أَنَس قَالَ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي الرَّجُل» وَفِي رِوَايَة: «نَجِيّ لِرَجُلٍ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة حَتَّى نَامَ الْقَوْم» قَالَ مُسْلِم: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُعَاذ الْعَنْبَرِيّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن صُهَيْب سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيه حَتَّى نَامَ أَصْحَابه ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ» قَالَ مُسْلِم: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَبِيب الْحَارِثِيّ حَدَّثَنَا خَالِد وَهُوَ اِبْن الْحَارِث حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ قَتَادَة قَالَ: سَمِعْت أَنَسًا يَقُول: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» قَالَ: قُلْت: سَمِعْته مِنْ أَنَس؟ قَالَ: إِي وَاَللَّه. هَذِهِ الْأَسَانِيد الثَّلَاثَة رِجَالهَا بَصْرِيُّونَ كُلّهمْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات أَنَّ شُعْبَة وَاسِطِيّ بَصْرِيّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَان كَوْن فَرُّوخ وَالِد شَيْبَان لَا يَنْصَرِف لِلْعُجْمَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَان الْفَائِدَة فِي قَوْله وَهُوَ اِبْن الْحَارِث، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْفُصُول الْمُتَقَدِّمَة، وَفِي مَوَاضِع بَعْدهَا.
وَأَمَّا قَوْله: قُلْت سَمِعْته مِنْ أَنَس قَالَ: إِي وَاَللَّه مَعَ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلًا سَمِعْت أَنَسًا فَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْبَات فَإِنَّ قَتَادَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ مِنْ الْمُدَلِّسِينَ، وَكَانَ شُعْبَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ أَشَدّ النَّاس ذَمًّا لِلتَّدْلِيسِ، وَكَانَ يَقُول: الزِّنَا أَهْوَن مِنْ التَّدْلِيس.
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُدَلِّس إِذَا قَالَ: (عَنْ) لَا يُحْتَجّ بِهِ، وَإِذَا قَالَ: (سَمِعْت) اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار، فَأَرَادَ شُعْبَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى الِاسْتِثْبَات مِنْ قَتَادَة فِي لَفْظ السَّمَاع، وَالظَّاهِر أَنَّ قَتَادَة عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ حَال شُعْبَة، وَلِهَذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم.
564- وَأَمَّا قَوْله: (نَجِيّ لِرَجُلٍ) فَمَعْنَاهُ: مُسَارّ لَهُ، وَالْمُنَاجَاة التَّحْدِيث سِرًّا، وَيُقَال: رَجُل نَجِيّ، وَرَجُلَانِ نَجِيّ وَرِجَال نَجِيّ وَرِجَال نَجِيّ بِلَفْظِ وَاحِد.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَصُوا نَجِيًّا} وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا فِقْه الْحَدِيث فَفيه جَوَاز مُنَاجَاة الرَّجُل بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَة. وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَاحِد. وَفيه جَوَاز الْكَلَام بَعْد إِقَامَة الصَّلَاة لاسيما فِي الْأُمُور الْمُهِمَّة، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوه فِي غَيْر الْمُهِمّ. وَفيه تَقْدِيم الْأَهَمّ فَالْأَهَمّ مِنْ الْأُمُور عِنْد اِزْدِحَامهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَاجَاهُ بَعْد الْإِقَامَة فِي أَمْر مُهِمّ مِنْ أُمُور الدِّين مَصْلَحَته رَاجِحَة عَلَى تَقْدِيم الصَّلَاة وَفيه أَنَّ نَوْم الْجَالِس لَا يَنْقُض الْوُضُوء وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَة الْمَقْصُودَة بِهَذَا الْبَاب، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيها عَلَى مَذَاهِب أَحَدهَا أَنَّ النَّوْم لَا يَنْقُض الْوُضُوء عَلَى أَيّ حَال كَانَ، وَهَذَا مَحْكِيّ عَنْ أَبَى مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَأَبِي مِجْلَز، وَحُمَيْد الْأَعْرَج، وَشُعْبَة. وَالْمَذْهَب الثَّانِي أَنَّ النَّوْم يَنْقُض الْوُضُوء بِكُلِّ حَال، وَهُوَ مَذْهَب الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَالْمُزَنِيّ، وَأَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام، وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ قَوْل غَرِيب لِلشَّافِعِيِّ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَبِهِ أَقُول قَالَ: وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَأَنَس، وَأَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. وَالْمَذْهَب الثَّالِث أَنَّ كَثِير النَّوْم يَنْقُض بِكُلِّ حَال، وَقَلِيله لَا يَنْقُض بِحَالٍ، وَهَذَا مَذْهَب الزُّهْرِيّ، وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ، وَمَالِك، وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالْمَذْهَب الرَّابِع أَنَّهُ إِذَا نَامَ عَلَى هَيْئَة مِنْ هَيْئَات الْمُصَلِّينَ كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِد وَالْقَائِم وَالْقَاعِد لَا يُنْتَقَض وُضُوءُهُ سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ اِنْتَقَضَ. وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة، وَدَاوُد وَهُوَ قَوْل لِلشَّافِعِيِّ غَرِيب. وَالْمَذْهَب الْخَامِس أَنَّهُ لَا يَنْقُض إِلَّا نَوْم الرَّاكِع وَالسَّاجِد رُوِيَ هَذَا عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى. وَالْمَذْهَب السَّادِس أَنَّهُ لَا يَنْقُض إِلَّا نَوْم السَّاجِد وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَالْمَذْهَب السَّابِع أَنَّهُ لَا يَنْقُض النَّوْم فِي الصَّلَاة بِكُلِّ حَال، وَيَنْقُض خَارِج الصَّلَاة، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى. وَالْمَذْهَب الثَّامِن أَنَّهُ إِذَا نَامَ جَالِسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَته مِنْ الْأَرْض ثَمَّ يُنْتَقَض، وَإِلَّا اُنْتُقِضَ سَوَاء قَلَّ أَوْ كَثُرَ، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَوْ خَارِجهَا، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَعِنْده أَنَّ النَّوْم لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسه وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيل عَلَى خُرُوج الرِّيح. فَإِذَا نَامَ غَيْر مُمَكِّن الْمَقْعَدَة غَلَبَ عَلَى الظَّنّ خُرُوج الرِّيح فَجَعَلَ الشَّرْع هَذَا الْغَالِب كَالْمُحَقَّقِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُمَكِّنًا فَلَا يَغْلِب عَلَى الظَّنّ الْخُرُوج وَالْأَصْل بَقَاء الطَّهَارَة، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة يُسْتَدَلّ بِهَا لِهَذِهِ الْمَذَاهِب.
وَقَدْ قَرَّرْت الْجَمْع بَيْنهَا وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهَا فِي شَرْح الْمُهَذَّب، وَلَيْسَ مَقْصُودِي هُنَا الْإِطْنَاب بَلْ الْإِشَارَة إِلَى الْمَقَاصِد. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زَوَال الْعَقْل بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاء وَالسُّكْر بِالْخَمْرِ أَوْ النَّبِيذ أَوْ الْبَنْج أَوْ الدَّوَاء يُنْقَض الْوُضُوء سَوَاء قَلَّ أَوْ كَثُرَ، سَوَاء كَانَ مُمَكِّن الْمَقْعَدَة أَوْ غَيْر مُمَكِّنهَا.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَكَانَ مِنْ خَصَائِص رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَض وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: نَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْت غَطِيطه، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ. وَاَللَّه أَعْلَم. (فَرْع) قَالَ الشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب لَا يُنْقَض الْوُضُوء بِالنُّعَاسِ وَهُوَ السُّنَّة. قَالُوا: وَعَلَامَة النَّوْم أَنَّ فيه غَلَبَة عَلَى الْعَقْل وَسُقُوط حَاسَّة الْبَصَر وَغَيْرهَا مِنْ الْحَوَاسّ، وَأَمَّا النُّعَاس فَلَا يَغْلِب عَلَى الْعَقْل وَإِنَّمَا تَفْتُر فيه الْحَوَاسّ مِنْ غَيْر سُقُوطهَا. وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَمْ نَعَسَ فَلَا وُضُوء عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَتَوَضَّأ. وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّوْم وَشَكَّ هَلْ نَامَ مُمَكِّن الْمَقْعَدَة مِنْ الْأَرْض أَمْ لَا لَمْ يُنْقَض وُضُوءُهُ، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَتَوَضَّأ. وَلَوْ نَامَ جَالِسًا ثُمَّ زَالَتْ أَلْيَتَاهُ أَوْ إِحْدَاهُمَا عَنْ الْأَرْض فَإِنْ زَالَتْ قَبْل الِانْتِبَاه اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ لَحْظَة وَهُوَ نَائِم غَيْر مُمَكِّن الْمَقْعَدَة، وَإِنْ زَالَتْ بَعْد الِانْتِبَاه أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَّ فِي وَقْت زَوَالهَا لَمْ يُنْتَقَض وُضُوءُهُ. وَلَوْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَته مِنْ الْأَرْض مُسْتَنِدًا إِلَى حَائِط أَوْ غَيْره لَمْ يُنْتَقَض وُضُوءُهُ سَوَاء كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الْحَائِط لَسَقَطَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا فَفيه ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا أَحَدهَا لَا يُنْتَقَض كَالْمُتَرَبِّعِ، وَالثَّانِي يُنْتَقَض كَالْمُضْطَجِعِ، وَالثَّالِث إِنْ كَانَ نَحِيف الْبَدَن بِحَيْثُ لَا تَنْطَبِق أَلْيَتَاهُ عَلَى الْأَرْض اِنْتَقَضَ، وَإِنْ كَانَ أَلْحَم الْبَدَن بِحَيْثُ يَنْطَبِقَانِ لَمْ يُنْتَقَض. وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْد وَالنِّعْمَة، وَبِهِ التَّوْفِيق وَالْعِصْمَة.
565- سبق شرحه بالباب.
566- سبق شرحه بالباب.

.كتاب الصلاة:

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَصْل الصَّلَاة فَقِيلَ: هِيَ الدُّعَاء لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْل جَمَاهِير أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا ثَانِيَة لِشَهَادَةِ التَّوْحِيد كَالْمُصَلِّي مِنْ السَّابِق فِي خَيْل الْحَلَبَة، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ (الصَّلَوَيْنِ) وَهُمَا عِرْقَانِ مَعَ الرِّدْف.
وَقِيلَ: هُمَا عَظْمَان يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود قَالُوا: وَلِهَذَا كُتِبَتْ (الصَّلَاة) بِالْوَاوِ فِي الْمُصْحَف، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ الرَّحْمَة، وَقِيلَ: أَصْلهَا الْإِقْبَال عَلَى الشَّيْء، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.

.باب بَدْءِ الأَذَانِ:

قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْأَذَان: الْإِعْلَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَأَذَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله} وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّن} وَيُقَال: الْأَذَان وَالتَّأْذِين وَالْأُذَيْن.
568- قَوْله: (كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاة) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: مَعْنَى يَتَحَيَّنُونَ يُقَدِّرُونَ حِينهَا لِيَأْتُوا إِلَيْهَا فيه (وَالْحِين) الْوَقْت مِنْ الزَّمَان.
قَوْله: (فَقَالَ بَعْضهمْ: اِتَّخِذُوا نَاقُوسًا) قَالَ أَهْل اللُّغَة: هُوَ الَّذِي يَضْرِب بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ صَلَوَاتهمْ، وَجَمْعه نَوَاقِيس، وَالنَّقْس ضَرْب النَّاقُوس.
قَوْله: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِين قَدِمُوا الْمَدِينَة يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاة، وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا أَحَد، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضهمْ: اِتَّخِذُوا نَاقُوسًا، وَقَالَ بَعْضهمْ: قَرْنًا، فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا بِلَال فَنَادِ بِالصَّلَاةِ» فِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا مَنْقَبَة عَظِيمَة لِعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِي إِصَابَته الصَّوَاب، وَفيه التَّشَاوُر فِي الْأُمُور لاسيما الْمُهِمَّة؛ وَذَلِكَ مُسْتَحَبّ فِي حَقّ الْأُمَّة بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا هَلْ كَانَتْ الْمُشَاوَرَة وَاجِبَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ كَانَتْ سُنَّة فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَقّنَا؟ وَالصَّحِيح عِنْدهمْ وُجُوبهَا، وَهُوَ الْمُخْتَار، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} وَالْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْفُقَهَاء وَمُحَقِّقُو أَهْل الْأُصُول أَنَّ الْأَمْر لِلْوُجُوبِ، وَفيه أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُتَشَاوِرِينَ أَنْ يَقُول كُلّ مِنْهُمْ مَا عِنْده، ثُمَّ صَاحِب الْأَمْر يَفْعَل مَا ظَهَرَتْ لَهُ مَصْلَحَة وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: (أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: ظَاهِره أَنَّهُ إِعْلَام لَيْسَ عَلَى صِفَة الْأَذَان الشَّرْعِيّ، بَلْ إِخْبَار بِحُضُورِ وَقْتهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَل أَوْ مُتَعَيَّن، فَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَبْد رَبّه فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا أَنَّهُ رَأَى الْأَذَان فِي الْمَنَام فَجَاءَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرهُ بِهِ، فَجَاءَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْل الَّذِي رَأَى، وَذَكَرَ الْحَدِيث. فَهَذَا ظَاهِره أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِس آخَر، فَيَكُون الْوَاقِع الْإِعْلَام أَوَّلًا، ثُمَّ رَأَى عَبْد اللَّه بْن زَيْد الْأَذَان، فَشَرَعَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ إِمَّا بِوَحْيٍ، وَإِمَّا بِاجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَذْهَب الْجُمْهُور فِي جَوَاز الِاجْتِهَاد لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ هُوَ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَام. هَذَا مَا لَا يُشَكّ فيه بِلَا خِلَاف. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَلَا يَصِحّ لِعَبْدِ اللَّه بْن زَيْد بْن عَبْد رَبّه هَذَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء غَيْر حَدِيث الْأَذَان، وَهُوَ غَيْر عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَاصِم الْمَازِنِيّ، ذَاكَ لَهُ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ عَمّ عَبَّاد بْن تَمِيم. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلَال قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ» فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: فيه حُجَّة لِشَرْعِ الْأَذَان مِنْ قِيَام، وَأَنَّهُ لَا يَجُوز الْأَذَان قَاعِدًا، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا أَبَا ثَوْر فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ وَوَافَقَهُ أَبُو الْفَرَج الْمَالِكِيّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيف لِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا النِّدَاء الْإِعْلَام بِالصَّلَاةِ لَا الْأَذَان الْمَعْرُوف، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد قُمْ فَاذْهَبْ إِلَّا مَوْضِع بَارِز فَنَادِ فيه بِالصَّلَاةِ لِيَسْمَعك النَّاس مِنْ الْبُعْد، وَلَيْسَ فيه تَعَرُّض لِلْقِيَامِ فِي حَال الْأَذَان، لَكِنْ يُحْتَجّ لِلْقِيَامِ فِي الْأَذَان بِأَحَادِيث مَعْرُوفَة غَيْر هَذَا.
وَأَمَّا قَوْله: مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة أَنَّ الْقِيَام وَاجِب فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ مَذْهَبنَا الْمَشْهُور أَنَّهُ سُنَّة، فَلَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْر صَحَّ أَذَانه لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة، وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ مُضْطَجِعًا مَعَ قُدْرَته عَلَى الْقِيَام صَحَّ أَذَانه عَلَى الْأَصَحّ لِأَنَّ الْمُرَاد الْإِعْلَام وَقَدْ حَصَلَ، وَلَمْ يَثْبُت فِي اِشْتِرَاط الْقِيَام شَيْء. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا السَّبَب فِي تَخْصِيص بِلَال رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالنِّدَاءِ وَالْإِعْلَام فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا فِي الْحَدِيث الصَّحِيح حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أَلْقِهِ عَلَى بِلَال فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك. قِيلَ: مَعْنَاهُ أَرْفَع صَوْتًا، وَقِيلَ: أَطْيَب، فَيُؤْخَذ مِنْهُ اِسْتِحْبَاب كَوْن الْمُؤَذِّن رَفِيع الصَّوْت وَحَسَنه. وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ.
قَالَ أَصْحَابنَا: فَلَوْ وَجَدْنَا مُؤَذِّنًا حَسَن الصَّوْت يَطْلُب عَلَى أَذَانه رِزْقًا وَآخَر يَتَبَرَّع بِالْأَذَانِ لَكِنَّهُ غَيْر حَسَن الصَّوْت، فَأَيّهمَا يُؤْخَذ؟ فيه وَجْهَانِ: أَصَحّهمَا يُرْزَق حَسَن الصَّوْت، وَهُوَ قَوْل اِبْن شُرَيْح. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَذَكَرَ الْعُلَمَاء فِي حِكْمَة الْأَذَان أَرْبَعَة أَشْيَاء: إِظْهَار شِعَار الْإِسْلَام، وَكَلِمَة التَّوْحِيد، وَالْإِعْلَام بِدُخُولِ وَقْت الصَّلَاة وَبِمَكَانِهَا، وَالدُّعَاء إِلَى الْجَمَاعَة. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب الأَمْرِ بِشَفْعِ الأَذَانِ وَإِيتَارِ الإِقَامَةِ:

569- فيه (خَالِد الْحَذَّاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: أَمَرَ بِلَال أَنْ يَشْفَع الْأَذَان، وَيُوتِر الْإِقَامَة إِلَّا الْإِقَامَة) أَمَّا (خَالِد الْحَذَّاء) فَهُوَ خَالِد بْن مِهْرَانَ أَبُو الْمُنَازِل بِضَمِّ الْمِيم وَبِالنُّونِ وَكَسْر الزَّاي، وَلَمْ يَكُنْ حَذَّاء، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِس فِي الْحَذَّائِينَ، وَقِيلَ فِي سَبَبه غَيْر هَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه.
وَأَمَّا (أَبُو قِلَابَةَ) فَبِكَسْرِ الْقَاف وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة، اِسْمه عَبْد اللَّه بْن زَيْد الْجُرْمِيّ تَقَدَّمَ بَيَانه أَيْضًا.
وَقَوْله: (يَشْفَع الْأَذَان) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْفَاء.
وَقَوْله: (أُمِرَ بِلَال) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر الْمِيم أَيْ أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الْأُصُول وَجَمِيع الْمُحَدِّثِينَ، وَشَذَّ بَعْضهمْ فَقَالَ: هَذَا اللَّفْظ وَشَبَهه مَوْقُوف لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْأَمْر غَيْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا خَطَأ وَالصَّوَاب أَنَّهُ مَرْفُوع لِأَنَّ إِطْلَاق ذَلِكَ إِنَّمَا يَنْصَرِف إِلَى صَاحِب الْأَمْر وَالنَّهْي وَهُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِثْل هَذَا اللَّفْظ قَوْل الصَّحَابِيّ: أُمِرْنَا بِكَذَا، وَنُهِينَا عَنْ كَذَا، أَوْ أَمَرَ النَّاس بِكَذَا، وَنَحْوه فَكُلّه مَرْفُوع سَوَاء قَالَ الصَّحَابِيّ ذَلِكَ فِي حَيَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ بَعْد وَفَاته. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: (أُمِرَ بِلَال أَنْ يَشْفَع الْأَذَان) فَمَعْنَاهُ: يَأْتِي بِهِ مَثْنَى، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ الْيَوْم، وَحُكِيَ فِي إِفْرَاده خِلَاف عَنْ بَعْض السَّلَف. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِثْبَات التَّرْجِيع كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْبَاب الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا قَوْله: (وَيُوتِر الْإِقَامَة) فَمَعْنَاهُ يَأْتِي بِهَا وِتْرًا. وَلَا يُثَنِّيهَا بِخِلَافِ الْأَذَان.
وَقَوْله إِلَّا الْإِقَامَة مَعْنَاهُ إِلَّا لَفْظ (الْإِقَامَة) وَهِيَ قَوْله: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا يُوتِرهَا بَلْ يُثَنِّيهَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي لَفْظ (الْإِقَامَة) فَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَبنَا الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوص الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ الْإِقَامَة إِحْدَى عَشْرَة كَلِمَة اللَّه أَكْبَر، اللَّه أَكْبَر، أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه، حَيَّ عَلَى الصَّلَاة، حَيَّ عَلَى الْفَلَاح، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة، اللَّه أَكْبَر، اللَّه أَكْبَر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّه.
وَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي الْمَشْهُور عَنْهُ: هِيَ عَشْر كَلِمَات فَلَمْ يُثَنِّ لَفْظ الْإِقَامَة، وَهُوَ قَوْل قَدِيم لِلشَّافِعِيِّ، وَلَنَا قَوْل شَاذّ أَنَّهُ يَقُول فِي الْأَوَّل: اللَّه أَكْبَر مَرَّة، وَفِي الْآخَر اللَّه أَكْبَر، وَيَقُول: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة مَرَّة فَتَكُون ثَمَان كَلِمَات، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة الْإِقَامَة سَبْع عَشْرَة كَلِمَة فَيُثَنِّيهَا كُلّهَا وَهَذَا الْمَذْهَب شَاذّ قَالَ الْخَطَّابِيّ: مَذْهَب جُمْهُور الْعُلَمَاء وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَل فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْحِجَاز وَالشَّام وَالْيَمَن وَمِصْر وَالْمَغْرِب إِلَى أَقْصَى بِلَاد الْإِسْلَام أَنَّ الْإِقَامَة فُرَادَى.
قَالَ الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: مَذْهَب عَامَّة الْعُلَمَاء أَنَّهُ يُكَرِّر قَوْله قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّ الْمَشْهُور عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْحِكْمَة فِي إِفْرَاد الْإِقَامَة وَتَثْنِيَة الْأَذَان أَنَّ الْأَذَان لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ. فَيُكَرِّر لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي إِعْلَامهمْ، وَالْإِقَامَة لِلْحَاضِرِينَ، فَلَا حَاجَة إِلَى تَكْرَارهَا، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء: يَكُون رَفْع الصَّوْت فِي الْإِقَامَة دُونه فِي الْأَذَان، وَإِنَّمَا كَرَّرَ لَفْظ الْإِقَامَة خَاصَّة لِأَنَّهُ مَقْصُود الْإِقَامَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ الْإِقَامَة إِحْدَى عَشْرَة كَلِمَة مِنْهَا اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر أَوَّلًا وَآخِرًا وَهَذَا تَثْنِيَة فَالْجَوَاب: أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ صُورَة تَثْنِيَة فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَذَان إِفْرَاد. وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: يُسْتَحَبّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُول كُلّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِد، فَيَقُول فِي أَوَّل الْأَذَان: اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر بِنَفَسٍ وَاحِد، ثُمَّ يَقُول: اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر بِنَفَسٍ آخَر. وَاَللَّه أَعْلَم.
570- قَوْله: (ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا وَقْت الصَّلَاة) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الْعَيْن أَيْ يَجْعَلُوا لَهُ عَلَامَة يُعْرَف بِهَا.
قَوْله: (فَذَكَرُوا أَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (يُورُوا نَارًا) بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الْوَاو وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِب فَمَعْنَى (يُنَوِّرُوا) أَيْ يُظْهِرُوا نُورهَا، وَمَعْنَى (يُورُوا) أَيْ يُوقِدُوا وَيُشْعِلُوا، يُقَال: أَوْرَيْت النَّار أَيْ أَشْعَلْتهَا.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ النَّار الَّتِي تُورُونَ}. وَاَللَّه أَعْلَم.

.باب صِفَةِ الأَذَانِ:

572- قَوْله: (أَبُو غَسَّان الْمِسْمَعِيّ) قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات أَنَّ غَسَّان مُخْتَلَف فِي صَرْفه، وَالْمِسْمَعِيّ بِكَسْرِ الْمِيم الْأُولَى وَفَتْح الثَّانِيَة مَنْسُوب إِلَى مِسْمَع جَدّ قَبِيلَة.
قَوْله: (أَخْبَرَنَا مُعَاذ بْن هِشَام صَاحِب الدَّسْتُوَائِيّ) قَوْله (صَاحِب) هُوَ مَجْرُور صِفَة لَهِشَام، وَلَا يُقَال إِنَّهُ مَرْفُوع صِفَة لِمُعَاذٍ، وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه بِأَنَّهُ صِفَة لِهِشَامٍ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِر كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث الشَّفَاعَة.
وَقَدْ بَيَّنْته هُنَاكَ وَأَوْضَحْت الْقَوْل فيه، وَذَكَرْت أَنَّهُ يُقَال فِي (الدَّسْتُوَائِيّ) بِالنُّونِ وَأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى دَسْتُوَا كُورَة مِنْ كُوَر الْأَهْوَاز.
قَوْله: (عَنْ عَامِر الْأَحْوَل عَنْ مَكْحُول عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَيْرِيزٍ) هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَعَامِر هَذَا هُوَ عَامِر بْن عَبْد الْوَاحِد الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (عَنْ أَبِي مَحْذُورَة) اِسْمه سَمُرَة، وَقِيلَ: أَوْس، وَقِيلَ: جَابِر، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة فِي الْمَعَارِف: اِسْمه سُلَيْمَان بْن سَمُرَة، وَهُوَ غَرِيب. و(أَبُو مَحْذُورَة) قُرَشِيّ جُمَحِيّ أَسْلَمَ بَعْد حُنَيْنٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس صَوْتًا، تُوُفِّيَ بِمَكَّة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَنَة تِسْع وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَبْع وَسَبْعِينَ، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِمَكَّة، وَتَوَارَثَتْ ذُرِّيَّته الْأَذَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ.
قَوْله: عَنْ أَبِي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَان: اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ثُمَّ يَعُود فَيَقُول أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مَرَّتَيْنِ أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاة مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاح مَرَّتَيْنِ اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر لَا إِلَه إِلَّا اللَّه» هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي صَحِيح مُسْلِم فِي أَكْثَر الْأُصُول فِي أَوَّله اللَّه أَكْبَر مَرَّتَيْنِ فَقَطْ، وَوَقَعَ فِي غَيْر مُسْلِم اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر أَرْبَع مَرَّات.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: وَوَقَعَ فِي بَعْض طُرُق الْفَارِسِيّ فِي صَحِيح مُسْلِم أَرْبَع مَرَّات، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد فِي التَّثْنِيَة وَالتَّرْبِيع، وَالْمَشْهُور فيه التَّرْبِيع، وَبِالتَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَبِالتَّثْنِيَةِ قَالَ مَالِك، وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيث، وَبِأَنَّهُ عَمَل أَهْل الْمَدِينَة، وَهُمْ أَعْرَف بِالسُّنَنِ. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِأَنَّ الزِّيَادَة مِنْ الثِّقَة مَقْبُولَة، وَبِالتَّرْبِيعِ عَمَل أَهْل مَكَّة، وَهِيَ مَجْمَع الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاسِم وَغَيْرهَا، وَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة وَغَيْرهمْ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث حُجَّة بَيْنه وَدَلَالَة وَاضِحَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ التَّرْجِيع فِي الْأَذَان ثَابِت مَشْرُوع، وَهُوَ الْعُود إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْت، بَعْد قَوْلهمَا مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْت.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة، وَالْكُوفِيُّونَ: لَا يَشْرَع التَّرْجِيع عَمَلًا بِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن زَيْد فَإِنَّهُ لَيْسَ فيه تَرْجِيع، وَحُجَّة الْجُمْهُور هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح، وَالزِّيَادَة مُقَدَّمَة مَعَ أَنَّ حَدِيث أَبِي مَحْذُورَة هَذَا مُتَأَخِّر عَنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد، فَإِنَّ حَدِيث أَبِي مَحْذُورَة سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة بَعْد حُنَيْنٍ، وَحَدِيث اِبْن زَيْد فِي أَوَّل الْأَمْر، وَانْضَمَّ إِلَى هَذَا كُلّه عَمَل أَهْل مَكَّة وَالْمَدِينَة وَسَائِر الْأَمْصَار، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي التَّرْجِيع هَلْ هُوَ رُكْن لَا يَصِحّ الْأَذَان إِلَّا بِهِ، أَمْ هُوَ سُنَّة لَيْسَ رُكْنًا حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَان مَعَ فَوَات كَمَالِ الْفَضِيلَة؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ أَنَّهُ سُنَّة، وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرهمْ إِلَى التَّخْيِير بَيْن فِعْل التَّرْجِيع وَتَرْكه، وَالصَّوَاب إِثْبَاته. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَيَّ عَلَى الصَّلَاة) مَعْنَاهُ تَعَالَوْا إِلَى الصَّلَاة وَأَقْبِلُوا إِلَيْهَا قَالُوا: وَفُتِحَتْ الْيَاء لِسُكُونِهَا وَسُكُون الْيَاء السَّابِقَة الْمُدْغَمَة. وَمَعْنَى (حَيَّ عَلَى الْفَلَاح) هَلُمَّ إِلَى الْفَوْز وَالنَّجَاة.
وَقِيلَ: إِلَى الْبَقَاء أَيْ أَقْبِلُوا عَلَى سَبَب الْبَقَاء فِي الْجَنَّة وَالْفَلَح بِفَتْحِ الْفَاء وَاللَّام لُغَة فِي الْفَلَاح حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره، وَيُقَال لِحَيٍّ عَلَى كَذَا: الْحَيْعَلَة.
قَالَ الْإِمَام أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِيّ: قَالَ الْخَلِيل بْن أَحْمَد رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى الْحَاء وَالْعَيْن لَا يَأْتَلِفَانِ فِي كَلِمَة أَصْلِيَّة الْحُرُوف لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يُؤَلَّف فِعْل مِنْ كَلِمَتَيْنِ مِثْل (حَيَّ عَلَى) فَيُقَال مِنْهُ حَيْعَلَ. وَاَللَّه أَعْلَم.